2014/12/30

البترول والصدمة المضادة

 
عبد اللطيف جبرو
قليلون يتذكرون اليوم ما كان عليه سعر النفط الخام في بداية عقد السبعينات من القرن الماضي، وأبناء اليوم سوف يستغربون من أن سعر البرميل الخام من النفط كان يقل عن دولارين اثنين إلى أن اندلعت حرب أكتوبر 1973 وعبرت الجيوش المصرية قناة السويس ليعود المصريون إلى سيناء ويقومون بتحطيم خط بارلييف.
آنذاك ارتفعت معنويات العرب فدفع العاهل السعودي الملك فيصل رحمه الله منظمة الدول المصدرة للنفط أوبيك إلى جعل البترول في صلب معركة استعادة الكرامة العربية.
وهكذا تقرر توقيف ضخ النفط على أساس أن تصبح لمنظمة الدول المصدرة للنفط صلاحيات التحكم في سعر البرميل الخام وجراء ذلك ارتفعت الأسعار وانتقل البرميل من أقل من دولارين إلى عشرة دولارات فاعتبرت الدول الصناعية هذا الإجراء صدمة بترولية.
وبعد سنوات ستعرف أسواق البترول صدمة ثانية إثر قيام الثورة الإيرانية وطرد الشاه من طهران في يناير 1979 آنذاك قفز سعر برميل الخام إلى من عشرة إلى عشرين دولارا.
في تلك الفترة كان على رأس الجمهورية الفرنسية فاليري جيسكار ديستان فقال معه الفرنسيون "صحيح ليست لدينا آبار من نفط الخام ولكننا نتوفر على أفكار".
وبالفعل شرع ساسة الدول الصناعية في الاعتماد على أفكارهم وتخيلاتهم لمواجهة المصاعب المتولدة عن الصدمات البترولية وأخذت عواصم الدول المستعملة للنفط تبحث عن وسائل التقرب من كل دولة مصدرة للنفط.
من جهتها عرفت بعض الدول المتوفرة على آبار النفط كيف توظف ارتفاع عائدات بيع براميل الخام لإنجاز المزيد من مشاريع التنمية الاقتصادية، وهنا برز الدور الكبير للمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي. وأصبحت اجتماعات الأوبيك أو منظمة الدول المصدرة للنفط محط اهتمام كبير من لدن وسائل الاعلام الدولية لأن المنظمة أصبحت لها هيبة سياسية كبرى وفي عالم المال والأعمال وكل عواصم البلدان الصناعية أصحبت تترقب ما يمكن أن تتخذه أوبيك من قرارات تؤدي إلى تخفيض الإنتاج أو رفعه أو الحفاظ على مستواه.
وبطبيعة الحال أصبح العالم يدرك إلى أي حد ترتبط أسعار البترول الخام بمستويات وحجم الضخ والإنتاج. وفي هذا السياق باتت منظمة الدول المصدرة للنفط متحكمة في حركة الأسواق.
وبقدر ما كانت الدول الصناعية تحتاج إلى المزيد من الطاقة كانت أسعار النفط ترتفع تارة ببعض الدولارات للبرميل وتارة أخرى بعشرات الدولارات.
ويمكن القول بأن الدول الكبرى أو الصغرى أصبحت مضطرة لكي تتكيف مع تقلبات الأسعار في أسواق النفط، وعندها أدرك العالم بأن البترول هو الدم الذي يجري في شرايين الحياة الاقتصادية سواء تعلق الأمر بالمجتمعات المتقدمة أو التي تريد أن تسير في طريق التقدم والنمو.
وإذا كانت صدمة 1973 المتولدة عن حرب أكتوبر وصدمة 1979 المتولدة عن الثورة الإيرانية، إذا كانت هاتان الصدمتان ناتجتين عن أسباب سياسية فستأتي مرحلة صدمة ثالثة ستكون أسبابها اقتصادية.
فمع مطلع القرن الواحد والعشرين بدأ العملاق الصيني يؤكد حضوره كقوة اقتصادية عالمية يجب أخذها بعين الاعتبار والصين لا تتوفر على منابع للنفط ولهذا فبقدر ما كانت مشاريعها الاقتصادية تتوسع وبقدر ما كانت تتطور صناعاتها بدأت تتزايد حاجاتها إلى الطاقة.
وشرعت الصين هكذا تبحث عن النفط لدى كل الدول المصدرة، مما جعل أسواق النفط الخام تتجه بسرعة نحو صدمة ثالثة جعلت سعر البرميل يرتفع سنة 2008 إلى ما يزيد عن 140 دولارا.
بعد ذلك وطوال الست سنوات المنصرمة استمرت تقلبات أسواق النفط لتسير بعد ذلك في تجاه الانخفاض إلى أن نزل سعر البرميل الآن إلى 60 دولارا، أي أنه فقد ثمانين دولارا بالمقارنة مع مع ما كان عليه سنة  2008، فإلى أي حد يمكن أن يظل الحال هكذا خلال السنوات المقبلة؟


ليست هناك تعليقات:

أخبار رئيسية

شاشة الموقع