2015/01/04

تيار الريع التائه



تيار الريع التائه
51 قراءة 
عبد السلام المساوي
الخوارج “الشامي، دومو، حسن طارق…” خائفون ومذعورون… قلقون ومضطربون… أدركهم التيه والضياع… بحثوا عن البديل فوجدوا السراب… ضحايا الوهم استنزفتهم المؤامرات الخبيثة والمناورات الهدامة فحصدوا التلف… مستقبل بدون آفاق، وحاضر عنوانه الانقراض الذي ينبئ بالعدم… الفناء هو المصير المحتوم لهؤلاء الخوارج الذين استسلموا لنزوعات الأنانية المدمرة ومصالح الذاتوية القاتلة… أرادوا معاكسة منطق تطور التاريخ فوجدوا أنفسهم خارج التاريخ، وأرادوا إجهاض الديموقراطية فوجدوا أنفسهم في مواجهة الذين تكتلوا لإيقاف العبث، أين المفر؟!
إن الاتحاد الاشتراكي الذي صمد في وجه الأعاصير وناضل لمدة تفوق الأربعين سنة في المعارضة ولم تستطع آلة القمع والتدمير القضاء عليه، لا تستطيع رغبات ونزوات أشخاص انتهازيين النيل من قوته وعرقلة مساره… إن من سقط سهوا على الاتحاد الاشتراكي لن يستطيع اغتصاب عذريته وقرصنة شموخه… إن حزبا صنعته النضالات العسيرة والتضحيات الجسام عصي على الرضوخ لانتهازية الشامي، لانتفاعية دومو وتهافت طارق… ولن تنفعهم “بركة” بنكيران وتوجيهات الجزار حامي الدين… وقبلهم وبعدهم فتاوى الشيخ الهرم، محمد اليازغي، أين المفر؟!
الخوارج منخدعون ومخدوعون… واهمون ومغرورون… أغرتهم طقوس الجنازة، جنازة المرحوم أحمد الزايدي… أغرهم الحضور الحاشد الذي شيع الراحل… اعتبروا واهمين أنهم حققوا نصرا مبينا… انحرفوا عن القراءة الإنسانية للحظة، وانساقوا وراء خلفيات التأويل السيئ للفاجعة… نسي الخوارج أن ما حدث قضاء وقدرا، وأن الاتحاديات والاتحاديين والمغاربة أجمعين في لحظة الموت يغلقون القوس، يترفعون عن الذوات، يذكرون الميت بالخير ويتوجهون نحو الله طالبين له الرحمة والمغفرة… تغيب السياسة ويحضر التآزر… الخوارج كان لهم رأي آخر، رأي مؤسس على الخبث والدناءة، المكر والنذالة.. الخوارج مدعومين ببنكيران والبيجدي، وبمباركة وتوجيهات المحنطين سياسيا والموتى على قيد الحياة… أرادوا تحويل المناسبة من مناسبة موت إلى مناسبة “ميلاد”، ميلاد البديل المفقود.. وفاتهم أن الموت هنا كان موتا مزدوجا، موت فعلي لأحمد الزايدي رحمه الله، وموت رمزي للخوارج.. والآتي من الأيام كشف عن احتضارهم، أين المفر؟!
ما كاد الميت يدفن، ودموع الأهل والصادقين لم تجف بعد، حتى هرعوا متهافتين على التيار “البديل” الذي يحفظ مصالحهم ويحصن مواقفهم، “البديل” الذي سيضمن لهم البقاء ككائنات انتخابية تغتني بالريع وتنتفخ بالغنائم. ولأنهم تائهون، ولكي يتفادوا تهمة الانشقاق وتكسير وحدة حزب الاتحاد الاشتراكي… وهي تهمة ثابتة في حقهم ولن تمحوها مساحيق الأرضيات التافهة والإنشاءات السخيفة، النداءات الملغومة والتصريحات الخبيثة… ارتأوا الرجوع إلى الماضي والعودة إلى السلف “الصالح” فكان الاحتماء بـ”الاتحاد الوطني للقوات الشعبية” بدعوى التشبث بالفكرة الاتحادية وقيمها الأصيلة… إنهم سلفيون محافظون، سلفيون تجاوزا لأنهم يعدمون الأسس الفكرية والمنهجية للسلفية، إنهم سلفيون بمعنى أنهم ماضويون، وأنهم محافظون بمعنى الحفاظ على الريع لهذا يقاومون بشراسة كل مبادرات التغيير التي تهدد مصالحهم ومصالح من يستخدمهم، أين المفر؟!
ولأنهم جاهلون، جاهلون يجهلون جهلهم ويجهلون تاريخ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، التأسيس والمسار، لأنهم دخلاء على هذا الحزب… لم يدخلوه من باب النضال والعطاء، بل من باب قرصنة التزكيات ونهب الترقيات، دخلوه من باب الصلاة مع ادريس البصري وسنة الريع المقدس… والختم من سيدهم عبد الإله بنكيران وآخرون…
ولأنهم خارجون عن تاريخ الاتحاد، فإنهم يجهلون منطق تطور هذا التاريخ، تطوره الكمي وطفراته النوعية، وليعلم هؤلاء الخوارج أن الاتحاد الاشتراكي تطور ديالكتيكيا ووفق قانون نفي النفي الجدلي، فهو استمرار وتجديد وتجاوز للاتحاد الوطني للقوات الشعبية… وتعلمنا المادية التاريخية أن الجديد/ الاتحاد الاشتراكي تضمن القديم/ الاتحاد الوطني وتجاوزه… إنه الجديد الذي قطع مع سلبيات القديم وطور إيجابياته استجابة لتحولات الواقع وتغيرات المجتمع… إن الاتحاد الاشتراكي جواب متغير لسؤال متغير… من هنا فرض نفسه كحزب قوي فاعل وصانع لتاريخ المغرب وصمد في وجه القوى المدمرة التي كانت ومازالت تستهدفه وتستسرع نهايته.
أما عن الأسباب التي فرضت تحول الاتحاد الوطني للقوات الشعبية  إلى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فمعرفتها تدعونا إلى الإنصات لما قاله عمالقة الحزب وعظماؤه بشأنهما، يقول عمر بن جلون “إن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وجد نفسه في الدور الذي كان يريد له المحجوب بن الصديق، دور واجهة سياسية وترس يتلقى ضربات الحكم، ثم صمم العزم على إبقاء الاتحاد الوطني في هذه الوضعية حيث عرقل بجميع الأساليب كل مجهود جدي في التنظيم. إن هذا التحطيم الداخلي ما هو في الواقع إلا جانب من جوانب الانحراف والتعاون مع الحكم” ويقول “تتكلف القيادة النقابية بشل الحركة التقدمية من الداخل وتتصرف في صفوفها كطابور خامس تابع للنظام الإقطاعي”.
وفي اجتماع لأعضاء اللجنة الإدارية الملتزمين في الاتحاد المغربي للشغل بالرباط، يوم 30 يوليوز 1972، قدم القائد السي عبد الرحيم بوعبيد تقريرا جاء فيه: “لقد تبين في النهاية أنه لا يمكن أن يلتقي تصورنا للحزب وللنضال مع تصورهم، إنهم لا يقبلون النقد، لا يقبلون غير التصفيق والمباركة والتأييد، والمناضلون يرفضون هذا، يرفضون أن يتحول حزبنا إلى حزب الأكباش، إنهم (أي المناضلين) يريدون حزبا كما أسسوه، حزبا للمناضلين والنضال، ومواصلة النضال لتحقيق أهدافنا في التحرر والاشتراكية”. ما أشبه اليوم بالأمس! لننصت إلى ادريس لشكر في اجتماع اللجنة الإدارية في 27 دجنبر 2014 “إن المطالبين اليوم بالحق بالاختلاف في الحزب هم الذين تملكتهم فوبيا القوات الشعبية، وهم الذين يحتقرون الجماهير الشعبية، وهم الذين لابد أن نستحضر معهم ما قاله الشهيد المهدي بن بركة عندما نبه في محاضرة له بالدار البيضاء عن التنظيم الحزبي إلى “روح الارستوقراطية البغيضة التي تتكون في صفوف الحزب… والتي تسبب النفور والاستياء وتجلب التفرقة والشقاق… والتي تجعل من واجبنا أن نشعر هؤلاء الذين يسبحون في الهواء ونرجهم رجا لينزلوا إلينا”.
وعودة إلى بدء، في صيف 1974 وبالذات يوم الأحد 15 شتنبر 1974، تحول الاتحاد الوطني للقوات الشعبية إلى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وبمناسبة أول اجتماع عقدته اللجنة المركزية برئاسة المرحوم عبد الرحيم بوعبيد بمنزل عائلة بن بركة بالرباط، وكان ذلك مباشرة بعد تبرئة وإطلاق سراح قادة الحزب الذين كانوا متهمين في أحداث مارس 1973، في ذلك اليوم قال الشهيد عمر بن جلون مخاطبا أعضاء اللجنة المركزية وبنبرة حادة تطبعها الصرامة: “أيها الإخوان كفى من التجارب البدائية التي تنقصها المنهجية والكفاءة والتي تسبب في سقوط ضحايا دون أن تزعج  قطا! إن قيادة الحزب هي ما يوجد الآن داخل الوطن، أما من هم خارج الوطن فلم نعد نقبل أن نتحمل تبعات أخطائهم. وكان مطلوبا منا ونحن رهن الاعتقال أن نتنكر لهم ونستنكر أعمالهم. لم نفعل هذا وكانت حريتنا معرضة للخطأ من جراء امتناعنا عن التنكر لإخواننا، بل إن أرواحنا كانت في خطر… أما الآن فلن نسمح لأحد في الخارج بأن يقوم باسم حزبنا بأعمال لا نقبلها ولن نسكت مستقبلا عن أي ممارسة لا مسؤولة”.
وبعد أربعة أشهر، وفي يناير 1975، ينعقد المؤتمر الاستثنائي للاتحاد، وهو المؤتمر الذي انخرط فيه عبد الرحمان اليوسفي عبر رسالته الصوتية، وما أظن أنه تراجع عن انخراطه كما يدعي الخوارج! وفي تقديمه للتقرير المذهبي أمام المؤتمر، يقول الشهيد عمر: “إن القرار بتحضير وعقد هذا المؤتمر الاستثنائي، كان تعبيرا عن اختيار جوهري وشامل. فبالرغم من القيود المفروضة على حزبنا، ومن وجود مئات من المناضلين في المعتقلات المعروفة والمجهولة، قرر الاتحاديون بصفة جماعية استئناف العمل على تطبيق القرارات والاختيارات التي سبق أن حددوها قبل حوادث مارس 1973.
يمكننا أن نؤكد بكل اعتزاز أن هذا المؤتمر، بالرغم من أنه مؤتمر استثنائي حضر وعقد في ظروف استثنائية هو مؤتمر القاعدة الاتحادية كلها، مؤتمر المناضلين الأوفياء كلهم، مؤتمر المناضلين الشاعرين بمسؤولياتهم التاريخية، مؤتمر استمرار حركة التحرير الشعبية ببلادنا.
إلا أن الاستمرار لا يعني الجمود في التفكير والأساليب، إنه استمرار النضال وجدلية النضال، في ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية في تغيير دائم. والقوات الاجتماعية المتصارعة هي نفسها في تغيير دائم مع ما يترتب عن ذلك من تقلبات في أشكال وميادين الصراع اجتماعيا وسياسيا وإيديولوجيا”.
في قمة الزمن الأسود والقمع الهمجي الأعمى يفتك بالبلاد، والديموقراطيون الحقيقيون يعيشون المحن، والمؤسسات والوحدة الترابية نفسها قد أصبحت في خطر، في ظل هذه الظروف بلور الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، خلال مؤتمره الاستثنائي سنة 1975، استراتيجية النضال الديموقراطي، والرهان على أن انتصار الديموقراطية والتقدم الاجتماعي يقتضي الانخراط الواعي ضمن دينامية مجتمعية وتاريخية يتفاعل فيها الموضوعي والذاتي، بما يعنيه ذلك من قطع ما الإرادوية والشعبوية من جهة، ومع الاتجاهات الانتهازية والمتقاعسة من جهة أخرى.
ويظهر أن هذه الاتجاهات الانتهازية مازال لها امتداد أخطبوطي يف حزبنا، ومن أقطاب الانتهازية راهنا، نجد جمال أغماني، حسن طارق، أحمد رضا الشامي، عبد العالي دومو وآخرون وآخرون…أغماني رمز من رموز الانتهازية في حزبنا… بسرعة فائقة طلق الفقر وعانق الثراء… استطاع اختراق الصفوف واحتلال المواقع رغم افتقاده إلى الكفاءة الفكرية والمصداقية النضالية… أغماني بدون رصيد شعبي ولا قاعدة جماهيرية، وهذا ما تكشف عنه الاستحقاقات الانتخابية التي شارك فيها مغامرا أو واهما. ترشح في تشريعيات 1997، “فاز” بمقعد نيابي بتوقيع ادريس البصري! طبعا كان فوزا مطبوخا، تم الطعن  وتم إلغاء المقعد وارتأى البصري أن يعوضه بعبد الإله بنكيران لينضاف كرقم إلى النواب الإخوانيين فينشئوا فريقا… ضاعت الفرصة على أغماني، فقد المقعد ولم يفقد الانتهازية، وللعبد أسياده. وسنة 2007 حدث ما لم يكن في الحسبان، تعيين أغماني وزيرا في حكومة عباس الفاسي، قمة الجنون والسريالية… وفي المقهى نزل عليه خبر استوزاره، ومضى يقطع الشوارع صارخا “أنا وزير!” يا لها من أعاجيب السياسة في المغرب، أغماني لم يبتلع استوزار جمال! وكانت هذه إحدى حلقات المهزلة في مسرحية رديئة أسند إخراجها إلى اليازغي، أما السيناريو فقد حيك في غرفة مغلقة، أسرارها عند أصحاب القرار الذين يستعملون الآن معالي الوزير السابق أداة من أدوات تخريب الاتحاد الاشتراكي… وليعلم الجميع أن مثل هذه الأدوات فقدت صلاحية الاستعمال. وعند الاتحاديين الخبر اليقين.
سنة 2009 ترشح أغماني وكيلا للائحة الوردة بسلا في الانتخابات الجماعية… أصبحت شهية جمال مفتوحة، فتوهم التربع على عمودية سلا، وكان يعتقد أن صفته كوزير ستجلب له أصوات الناخبين وزيادة… وكان السقوط منتظرا، وكان الفشل عادلا… لائحة الوزير أغماني لم تحصل على العتبة!! وجاءت تشريعيات 2011 فلم يجرؤ على المغامرة، فنتائج 2009 كانت فاضحة… ومازال أغماني انتهازيا، مع أصحاب التيار في اجتماعاتهم المنزلية مع “الوحدويين” في توقيعاتهم الورقية.. فرق بين من اقتات بفضلات المدرسة البصرية ومن تشبع بقيم المدرسة الاتحادية.
عندما أقرأ ما تنقله الصحف والمواقع الإلكترونية من تصريحات/سخافات أحمد رضا الشامي، أتساءل أية شرعية خولت له أن يشكك في اختيار الاتحاديات والاتحاديين. من يكون هذا الولد حتى يتطنع فيطعن في قيادة لشكر للاتحاد الاشتراكي؟ أعلم بأن هناك مسافة كبيرة بين أخلاق المناضلين ونفعية الانتهازيين. والشامي أسقط على الاتحاد الاشتراكي، ولكن استفاد في ظرف وجيز ما لم يستفده اتحاديون ناضلوا العمر كله. فهو الشخص الذي أصبح وزيرا في ستة أيام.. وكاد أن يصبح كاتبا أول لولا انتفاضة الاتحاديات والاتحاديين الذين أفسدوا لعبة اليازغي والآخرين.
نعلم أن حزب الاتحاد الاشتراكي كان الخاسر الأكبر في الانتخابات التشريعية ليوم 7 شتنبر 2007، حيث طغى التواضع على نتائج الحزب، وتأكد تراجع ثقل الحزب في الساحة البرلمانية، بعد حصوله على 38 مقعدا… انعقد المجلس الوطني للنظر في مسألة المشاركة في الحكومة وانتهت الأشغال بتفويض الأمر للمكتب السياسي. إلا أن اليازغي غاب وغيب رفاقه مستفردا بالقرار في ظروف غامضة، وكانت مشاركة الحزب باهتة، وتبين أن اليازغي كان ضعيفا إبان المفاوضات، ضعف فضحه حرصه على منصبه هو أولا ولو وزير بدون حقيبة، المهم هو الصفة، وثانيا قبوله حقائب لا تعكس وزن الحزب كما وكيفا، وثالثا اقتراحه لأسماء من العيار الخفيف.
وإذا كان الاتحاديون والاتحاديات صدمتهم مفاجأة استوزار جمال أغماني… فلما كثر السؤال قيل أن أغماني تم فرضه على اليازغي…رحم الله عبد الرحيم بوعبيد صاحب القرارات الشجاعة والمستقلة… طبعا لا أحد استطاع استيعاب ما يحدث في الاتحاد الاشتراكي، فاستوزار  أغماني “حدوثة بايخة”.
اسم آخر كان له وقع الكارثة على الاتحاديات والاتحاديين، إنه أحمد رضا الشامي، وزير في حكومة عباس الفاسي باسم الاتحاد الاشتراكي… من هو ومن يكون؟! متى كان اتحاديا؟  أسجل أن الاتحاديين تعبوا كثيرا للكشف عن هويته… نكرة اقتحمت الحزب وغنمت حقيبة وزارية… من ضغط على اليازغي وفرضه وزيرا ضدا على الإرادة الاتحادية بل ومسا باستقلالية قرارات ومواقف حزب الاتحاد الاشتراكي، استقلالية ميزته عن سائر الأحزاب في تاريخ المغرب السياسي… ما يحدث انقلاب في الفكر والممارسة.. القطع مع ثقافة النضال والتأسيس لثقافة الأتباع… الانقلاب على رفعة التضحية ومعانقة خسة الريع… في خضم هذا الغموض السياسي والالتباس الحزبي،  وفي يم المسخ والعبث تبين أن أحمد رضا ابن مناضل اتحادي في فاس هو الدكتور محمد الشامي، وأنه انخرط في الحزب منذ ستة أشهر! وزير في ستة أيام! مناضلون قضوا دهرا في الحزب، ناضلوا واعتقلوا، صبروا وضحوا… بدأوا مسارهم مناضلين في الخلايا، تدرجوا صعودا من مكاتب الفروع إلى الكتابات الإقليمية، والبعض انتهى بهم الأمر إلى اللجن الوطنية، مركزية أو إدارية… ولم يستوزروا باسم الاتحاد الاشتراكي، وما حلموا وما طمعوا… ورضا الشامي المدلل يصبح وزيرا بقدرة “قادر”، وتلك كانت أعجوبة الزمان السياسي المغربي، وفضيحة يازغوية، بانبطاح نفعوي.
ولما أصبح وزيرا بكذا سهولة عظمت شهية الولد، فأراد أن يصبح كاتبا أولا للاتحاد الاشتراكي في عشرة أيام… ألم أقل لكم أننا بصدد التأسيس لثقافة جديدة، ثقافة الانقلاب في الفكر والممارسة؟! كل المناضلين والمناضلات في الاتحاد الاشتراكي دشنوا انخراطهم في الحزب أعضاء في الخلايا، إلا احمد الشامي أراد أن يدشن اتحاديته كاتبا أول برضى ومباركة اليازغي، علما أن اللعب هذه المرة كان أكبر من اليازغي نفسه… فهناك من يهمه تأزيم الحزب وتقزيمه، إضعافه واستصغاره، فتنصيب دمية قائدا للاتحاد تفي بالغرض، طبعا انتفض الاتحاديون والاتحاديات وقالوا “اللهم إن هذا منكر” واتقوا الله في حزب لا يعدم رجالا أشداء أقوياء يقلقون مضاجع الأعداء ويزعجون راحة المهرولين. ولما فسدت اللعبة قذف اليازغي بالزايدي –رحمة الله عليه- مرشحا للكتابة الأولى.. والآتي من حلقات مسلسل التشتيت والتشويش نعلمها جميعا.
فعودة إلى سيرة الذي أصبح وزيرا في ستة أيام، أتذكر جيدا أن أحمد رضا الشامي لما حضر إلى وجدة في إطار مهمة رسمية كوزير في حكومة الفاسي، استضافته الكتابة الإقليمية في مقر الحزب، بإيحاء أحد المرتزقة، استضافته ليتعرف عليه المناضلون والمناضلات في وجدة أولا، ولينورهم في قضايا السياسة والحزب.. قيل لنا قبل الجلوس إليه أنه إطار كبير وكفاءة نادرة، أنصتوا رحمكم الله! طبعا تم الاجتماع  مع هذا المحظوظ ولما تقاطرت عليه الأسئلة التي قاربت مستجدات السياسة وآفاق الحزب، اقترح علينا بوداعة المهزوز أن يعرض علينا حصيلته في القطاع الوزاري الذي يدبره، معترفا بأنه جاهل لما يجري داخل الحزب! وتبين للجميع أن السيد الوزير لا يفقه في أمور السياسة والسياسيين، وأنه شارد وخارج تغطية حزب الاتحاد الاشتراكي… عذرا سي الشامي! هو منصب قدم لك كهدية تحضيرا للمهام التي تقوم اليوم جاهدا وبحماس على إنجازها، تشتيت الاتحاد الاشتراكي وإضعافه ليبقى رقما مكملا لا فاعلا … وذلك هو الوعي الشقي والسياسة البئيسة، وتلك خيانة كبرى للوطن وقفز على التاريخ، تاريخ المغرب المرتبط جدليا بتاريخ الاتحاد الاشتراكي.. وهنا أفتح القوس لأقول: أن الاتحاد الاشتراكي، أكبر أحزاب اليسار المغربي، رغم الكبوات التي مسته في ظل القيادات السابقة، فإن من الخطأ الاعتقاد بأن إضعافه يخدم الديموقراطية والتحديث، وهذه إحدى الخلاصات التي لن تبرح قوى الهدم والتدمير أن تقربها على اعتبار أن خيارات التحديث والديموقراطية لا يمكن أن تتحقق بدون حزب من وزنه. يقول الكاتب الأول ادريس لشكر أمام اللجنة الإدارية (27/12/2014) “إننا أمام محاولة الحفاظ على الستاتيكو، أي إبقاء الوضع كما هو عليه، ومقاومة  التغيير، واستمرار نفس النظام الذي جاء دستور 2011 ليغيره، ويفتح آمال البناء الديموقراطي، ويسود نظام الشفافية والحكامة، واحترام حقوق الإنسان، ودولة الحق والقانون، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والمساواة… أي تلك المبادئ التي ناضل من أجلها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وكان قادته ورواده، منذ السنوات الأولى للاستقلال، ينادون به، مقابل المشروع المخزني، الذي كان يبني دولة الريع والمحسوبية، معتمدا على الأعيان التقليديين وأبناء العائلات الغنية والانتهازيين والبيروقراطية/التقنوقراطية.
لقد فشل هذا المشروع، وأنتج سنوات الرصاص ومحاولات الانقلاب والتخلف والفقر والأزمات، التي كادت أن تتحول إلى سكتة قلبية فهل نقبل أن تتكرر نفس الأوضاع؟”.
إن حصيلة تطور الحقل السياسي المغربي، من حيث النضال الوطني والنضال الديموقراطي، والتضحيات الجسام التي قدمت في سبيل مقاومة الاستبداد والطغيان، تفضي إلى تأكيد حقيقة مفادها أن الاتحاد الاشتراكي هو ملك لكل المغاربة وليس ملك نفسه، وهو بذلك معني، من وجهة نظر التاريخ، ليس بمصيره الخاص فقط، بل بمصير العائلة الديموقراطية كلها، والعائلة التحديثية، إن جاز القول، وعلى هذا ينظر إليه كرقم  أساسي في أجندة البلاد، وعلى هذا تتصرف القيادة الجديدة.
ما حدث بالأمس في لقاء وجدة مع الوزير الشامي، جعلني أفهمه اليوم بل أشفق عليه عندما أقرأ واستمع أحيانا إلى تصريحاته التي تنم عن ضعف بشع عندما ينوي غزو عالم السياسة، فمعالي الوزير سابقا يريد أن يبزغ كنجم بعبارات السب والشتم والقذف والإساءة إلى قيادة الاتحاد الاشتراكي… وما كان هذا ليفاجئنا… فالشامي دخيل على الحزب، لم يتأطر داخل منظمة الشبيبة الاتحادية ولم يسبق له أن تلقى تكوينا وتربية داخل المدرسة الاتحادية، إذن، فهو غريب عن الاتحاد الاشتراكي قيما وثقافة، فكرا وأخلاقا… وهاهو اليوم يريد تصحيح “الانحراف” وتأسيس “البديل” وهو العاجز عن بناء خطاب سياسي عقلاني ومنطقي، مترابط ومتماسك.. خطاب بمضمون فكري واضح، ببرنامج سياسي واعد، مؤسس على منهجية تنظيمية دقيقة ورؤية فلسفية عميقة… قد يكون إطارا تكنوقراطيا، يمكن! أما أن يكون قائدا سياسيا فهذا ظلم وسوء تقدير… ارحموا الولد ولا تحملوه ما لا طاقة له به… يكفيه أنه اللحظة يطارد خيط دخان. اين المفر؟!
يزعم الشامي أنه جاء فاتحا ليحمي الاتحاد الاشتراكي من القيادة الفاسدة، وكأنه الملاك الطاهر والنقي النظيف.. علما أنه بالأمس أفسد رمزا من رموز الصفاء والبياض، إنه الحليب…لنتذكر الحكاية!
أحمد رضا الشامي ما كاد ينهي مساره الدراسي حتى استقبله الأب، الدكتور محمد الشامي –رحمه الله- بمنصب يليق بابن الكبار، مدير عام لشركة حليب سايس.. وذات يوم أسود انفجرت فضيحة/قنبلة من العيار البشع، ويتعلق الأمر بالتلاعب في الحليب المجفف الموجه للمؤسسات التعليمية في إطار “برنامج التغذية العالمي”.. وأسفر التحقيق عن تورط شركة “عائلة الشامي” التي كانت تشتري هذا الحليب الموجه أصلا للتلاميذ… وبحكم أن أحمد رضا الشامي المدير العام الابن البكر والمدلل، طلب منه الأب العطوف تقديم الاستقالة ومغادرة البلاد على أساس أن يتحمل الأب كامل المسؤولية إنقاذا وحماية لفلذة كبده… وذاك ما حصل.. وفعلا أدين الأب المرحوم محمد الشامي وقضى أياما بسلا في سجن الزاكي. تمت تسوية الملف لأنه تزامن مع حكومة اليوسفي، ولأنه عرف تدخل كبار المحامين الاتحاديين الذين تعاملوا بروح اتحادية مع مناضل اتحادي.
مناسبة هذه الحكاية هو التذكير بأن مقاومة الفساد تربية وثقافة.. وما حدث بالأمس يكشف عن خلفيات ممارسة اليوم “وعفا الله عما سلف!”
إن الاتحاديين والاتحاديات عازمون اليوم، أكثر من أي وقت مضى، الوقوف في وجه كل النزوعات التي تروم إضعاف الاتحاد الاشتراكي، وهي نزوعات أناس لم يسبق لهم أن ناضلوا ولو من أجل أنفسهم، ولا هم كانوا في أي تنظيم من تنظيمات اليسار ولا ماضي نضالي لهم مطلقا، لكنهم اليوم من متزعمي”البدائل” المفقودة، وهم الذين تخلفوا عن كل المعارك القاسية التي خاضها ويخوضها الشعب المغربي من أجل امتلاك مصيره… فأين كان عبد العالي دومو زمن السنوات العجاف، زمن الجمر والرصاص… أين كان حين كان الاتحاديون يواجهون آلات القمع والتنكيل؟! طبعا الجواب جاهز لا يحتاج إلى عناء بحث وتفكير، إنه كان على هامش الوجود وخارج التاريخ، كان في قاعة الانتظار، انتظار جني ثمار نضالات رجالات ونساء المغرب الشرفاء، الذين أعطوا الكثير ليأخذ دومو وغيره من الانتهازيين الكثير… وكانت البداية مع لحبيب المالكي… دومو بالكاد أستاذ مساعد في الاقتصاد أكرمه المالكي كرئيس لمجلس الشباب والمستقبل… هنا سيتعلم دومو أبجديات الاغتناء السهل والمريح… وجوده إلى جانب المالكي أكسبه خبرة على مستوى دراسة المشاريع وإنجازها… ولم ينتظر طويلا ليوظف خبرته لإقامة مشروع الأبقار المنتجة للحليب واللحوم في قلعة السراغنة.. طبعا نجح دومو لأنه استنسخ مشاريع الشباب ووظفها لخدمة مصالحه الخاصة، هذه المصالح التي ستكبر كلما احتل منصبا وغنم مقعدا، جماعيا، جهويا وبرلمانيا… صاحبنا أصبح ذا جاه ومال، والمال يحتاج إلى سلطة تحميه… فكانت سنة 1993 بداية ميلاد كائن انتخابي بطقوس بصرية… تقدم مترشحا في الانتخابات التشريعية، بدون لون ولا طعم، بدون انتماء حزبي.. وسجل الملاحظون والرأي العام قاطبة أن تشريعيات 93 عرفت ترشيح ثلاثة أشخاص، ثلاثة فقط، بدون انتماء حزبي! ويتعلق الأمر بعبد العالي دومو بقلعة السراغنة، محمد يخلف بصفرو، ومحمد القباج بفاس.. طبعا هذا الاستثناء وهذا الامتياز لهؤلاء الثلاثة يطرح أكثر من سؤال ويثير أقوى من التعجب، خصوصا وأنه امتياز استثنائي في عهد ادريس البصري… ولم يكن الامتياز مجانا، لأن ما قام به دومو ويقوم به اليوم من تشويش على الاتحاد الاشتراكي هو اعتراف بالجميل وأداء “للواجب”.
أعلنت نتائج الانتخابات فوز هؤلاء الثلاثة، وتم توجيههم إلى الانتماء الحزبي، محمد يخلف في أحضان التقدم والاشتراكية، القباج في الاتحاد الدستوري، أما دومو، وبحكم علاقته بالمالكي، فقد “انخرط” في صفوف الاتحاد الاشتراكي.. سنة 97، مرة أخرى مترشحا وفائزا، فحكومة التناوب سنة 98 ووداعا لغة الرصاص ومرحبا بمداخيل الريع فطوبى لعبد العالي دومو.. بارون انتخابي بأوسمة ونعم جماعية وجهوية وبرلمانية… طغى وتجبر وحول حزب الاتحاد الاشتراكي بجهة مراكش تانسيفت إلى إقطاعية خاصة، يزكي من يشاء، يستفيد كما يشاء… ولا حسيب ولا رقيب… المؤتمر الوطني التاسع منعطف تاريخي حاسم في مسار الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية… إنه ميلاد حزب المؤسسة ونهاية إقطاعيات بارونات الانتخابات المهووسين بالصفقات المشبوهة.. وعندما يتحدث دومو عن “القيادة الفاسدة”، فإنه يقصد القيادة التي أفسدت لعبته القذرة وأفسدت مشاجرته بالحزب وقيمه.. وما ربحت تجارته يوم انتفض الاتحاديون والاتحاديات معلنين تحكيم الأوهام وتكسير الأصنام… معلنين القطع مع الريع والارتزاق. أين المفر؟!
جاء في كلمة ادريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي في اجتماع اللجنة الإدارية الأخير، كلمة نعتبرها وثيقة تاريخية ترقى إلى مستوى الأدبيات السياسية التي أبدعها الحزب في محطات تاريخية حاسمة، جاء فيها “ومنها.. من يبعث عن اختراق إخواني في البيت الاتحادي يدفئ به أكتافه ولو جزئيا بعد أن تعذرت عليه التدفئة الاتحادية الشاملة… ومنها من ينخرط في طابور الارتزاق الإعلامي الموسوم بالرداءة والحقد والتضليل، والمتفاني في إثارة الحملة ضد الحزب، ذروتها، عندما تدخل أحد القياديين، في حزب العدالة والتنمية، وكتب مقالا في جريدة مأجورة، يطالب بمؤتمر استثنائي وباستقالة الكاتب الأول. وهذا تدخل سافر، لم يسبق له مثيل، ويحظى هذا الشخص بدعم أحد إخواننا، الذي يرافقه في حله وترحاله، في الأنشطة التي ينظمها الخوانجية بالجامعات “طبعا، يتعلق الأمر هنا بحسن طارق، وإن لم يذكره الكاتب الأول بالاسم… فلم يعد خافيا على أحد ملازمة هذا الولد لحامي الدين، فعلاقتهما ينطبق عليها ما قاله الفيلسوف الألماني هيغل في جدلية العبد والسيد… طارق نسخة باهتة لمحمد الوفا… فما قام به هذا الأخير تجاه حزب الاستقلال يجتره طارق في حزب الاتحاد الاشتراكي في انتظار ثواب من بنكيران، إن لم يكن منصبا وزاريا فعلى الأقل مقعدا في المحكمة الدستورية. وليبرز كفاءته كفقيه دستوري ينشر إسهالاته عمودا في جريدة أخبار الخوانجية والإخوان المأجورين، عمودا يتناوب فيه مع حامي الدين، فهما متناغمين إلى حد التماهي… وازداد حسن طارق شراسة في الهجوم على قيادة الاتحاد الاشتراكي خدمة لأجندة البيجدي، لما تأكد أن أسلوب الابتزاز الذي ركبه لن تجدي مع ادريس لشكر نفعا… زمن الريع الحزبي ولى والبقرة لم تعد حلوبا…
بدوره، حسن طارق صعب عليه أن يطلق ما بدأ.. استفاد حزبيا، استفاد كثيرا، ولم يحصل الإشباع بعد… إن من يطيع مبدأ اللذة طاعة عمياء يستحيل عليه لجم نزواته ونزوعاته، خصوصا عندما نعلم أنه وصل بسرعة فائقة محققا الأهداف المتمثلة في الترقية والترقي والكسب المريح… فمن موظف عادي بوزارة المالية إلى مستشار بديوان الكحص، من هنا كانت البداية، ومن هنا كان الطموح، أقصد الطمع… وما أن انتهت ولاية حكومة جطو حتى استقبلته جامعة سطات أستاذا، وبسهولة غير ممتنعة كان الطريق إلى الجامعة مفروشا بالورود… لنتذكر أن لحبيب المالكي كان وزيرا للتعليم العالي في حكومة جطو!
وجاءت تشريعيات 2011 حبلى بالريع الحزبي، فغنم حسن طارق مقعدا نيابيا “كراتيس” في إطار كوطا الشباب، إلى جانب علي اليازغي، نائبان كادا أن يصبحا محترمين، وما كان لهما أن يحلما لولا تدخلات الأب والعشيرة، جاء في الكلمة/الوثيقة “منها.. من يصر على التعامل مع الحزب كشركة للتأمين يطمع في أن تؤمن له دائرته وأن تحفظ له مكانته وأن ترعى له ذريته” الرسالة وصلت.
يعلم حسن طارق جيدا أنه لن يعود إلى البرلمان من باب النزول إلى الجماهير الناخبة، فهو متعود على التعيين من فوق وطز في الديموقراطية التي تشترط المصداقية لدى القواعد الشعبية الناخبة… لهذا صمم حسن طارق على انتهاز الفرصة وتلميع نجوميته بارتقاء منصب رئيس الفريق الاشتراكي.. ولما قال لشكر “لا” قال طارق: التيار أنفع من القيادة الشرعية، وقال: فداك بنكيران! وقال لشكر “إننا نسعى إلى إرساء نظام الحكامة، أي أن يقدم كل مسؤول الحساب، هذا هو مبدأ التسيير الديموقراطي والناجع..”
لكي يلج أي حزب المشروعية المرسخة، يجب أن يمثل قوة أو عدة قوى في البلاد، وتجذرا اجتماعيا، وأن يؤثر بالملموس والمحسوس على الرأي العام، وقت الأزمات وفي فترات الهدوء، وهذا يفترض أيضا أن يتوفر على تنظيم مهيكل، ومشروع ونخبة تحظى بالمصداقية، وأن يكون منصتا للشعب وفي خدمته، وأن يتوفر على برنامج للتحقيق وخلاق، وبدون هذه الشروط يكون الحزب بلا أسس متينة ولا مستقبل.. وكل المؤشرات تدل بوضوح وجلاء أن الخوارج لا مستقبل لهم، لأنهم يفتقدون كل الشروط الموضوعية والذاتية، التي تؤهلهم لتأسيس حزب جديد… وهم واعون بحدس المحترفين ودهاء الوصوليين، أنهم عاجزون عن خلق حزب حقيقي خارج الاتحاد الاشتراكي… خصوصا وأن فشل التجارب السابقة ماثلة أمامهم.. وهم عندما يتأملون مآل كل من ركب الانشقاق يصابون بالدوخة ويركبهم اليأس…
هناك سؤال لابد أن يجيب عنه رجال السياسة الاتحاديون، المنسحبون أو المنشقون عن الاتحاد، على ضوء التطورات السياسية، أي قيمة إضافية في إعادة تشكيل الخارطة السياسية جاءت بها مبادرتهم؟ وإلى أي حد ساهم اختيارهم في إضعاف الاتحاد الاشتراكي دون أن ينجحوا في المقابل في إنشاء أحزاب بديلة ذات شأن أو تقوية الصف الديموقراطي، والمحطات التاريخية والمعارك الديموقراطية والأرقام المسجلة في مختلف الانتخابات دليل على ذلك ولا ضرورة للتذكير بها… لحسن حظنا، لم يعد هناك ذو عقل يمكن، بعد كل هذا، أن يعلو كرسي الأستاذية ليفتي الفتاوى ويوزع النقط والميداليات، ويقرر في لائحة الفائزين والراسبين في مسار بناء الديموقراطية. ولهذا نطلب من شيخ الأولاد (الشامي، دومو، طارق…) نطلب من عراب التدمير، محمد اليازغي، أن يكف عن مناوراته ويكفر عن سيئاته ويتفرغ للعبادة لعل الاتحاد الاشتراكي بعد الله يغفر له… كما نطلب من أولئك الذين احترمناهم ذات يوم أن يستمروا في خلوتهم واعتزالهم حتى نحفظ لهم تلك الصورة الجميلة التي رسمناها لهم ذات زمان.
الخوارج فاشلون، عاجزون عن تأسيس “بديل” للاتحاد الاشتراكي، عاجزون بالقوة والفعل… بلاغ المكتب السياسي الذي زكته وأكدته جميع المؤسسات الحزبية، إقليميا وجهويا ووطنيا، وصادق عليه كافة الاتحاديات والاتحاديين… كان صارما وواضحا “اذهبوا فأنتم الطلقاء”… كفى من العبث والابتزاز! ماذا أنتم قادرون على فعله؟! لنطمئن فهؤلاء بارعون في السب والشتم وبؤساء على مستوى الفعل… هؤلاء المنحرفون تطفلوا في زمن الفراغ على الاتحاد الاشتراكي، نهبوا ولم يشبعوا، توهموا فاعتقدوا على أنهم قادرون على قرصنة الحزب من مناضليه ومناضلاته الحقيقيين المخلصين… اعتقدوا أنهم بعد أن غنموا مقاعد برلمانية وجماعية قادرون على نهب مقاعد قيادة الاتحاد الاشتراكي. انقلب السحر على الساحر، وهاهم في كل واد يهيمون ويقولون ما لا يفعلون. إنهم كسالى، تعودوا الربح المريح في أسرع وقت وبدون تكلفة، بدون نضال وبدون تضحية… تعودوا ركوب “الطيفور” و”العمارية” ولذة الريع.. صعب عليهم أن يطلقوا ما بدأوا…
إن السياسة هي فن المراكمة الصبورة وتحضير الطفرات النوعية بالعمل الطويل النفس الخاضع للتقييم الدوري، لا الأستاذية المتعالية على واقع السياسة المعطى تاريخيا، هنا والآن، وعبرة السياسة الحقيقية هي بنتائجها وليس بالبيانات أو النداءات أو التوقيعات ولا حتى بالنيات، التي قد تكون صادقة عند البعض على الأقل.. نتفق مبدئيا على بناء وحدة الأسرة الاتحادية وخلق تحالف واسع حول الحزب على أساس نقاش وبرامج واضحة في اتجاه تعزيز البناء الديموقراطي لبلادنا… ونتفق أيضا أن وحدة الحزب ليست شعارا يرفع أو “ماكياجا” للتزيين، بل إنها ثقافة وسلوك، قناعة وممارسة…إذن، لا يكفي أن نوقع النداءات لنظهر أننا وحدويين، فالإيمان بوحدة الحزب تبدأ أولا بالانخراط في بنائه وتقويته، وتقوم ثانيا على القطع مع العقلية التشتيتية وأصحابها، وقبل هذا وذاك تقتضي الحسم مع الذات والخروج من دوائر الكسل والتذبذب واللعب على الحبال… أن توقع النداء على الورق فذاك منتهى السهولة، لكن أن تجسد التوقيع على أرض الواقع فذاك متعذر على أولئك الذين يقتاتون بالشتات، وينبعثون بعدد أن طواهم النسيان… فما صنع التوقيع مناضلا ولا النداء زعيما. “إن وحدة الحزب مسؤولية أساسية ملقاة على جميع الاتحاديين والاتحاديات مهما اختلفت مواقعهم، وحدة تحكمها مبادئ الحزب وقوانينه، وتؤطرها قيمه الإنسانية التقدمية المناهضة للتمييز والكراهية والحقد، ويحصنها مشروعه المجتمعي الديموقراطي الاشتراكي الحداثي والتضامني. إن وحدة الحزب والحالة هذه، مسؤولية والتزام، تفرض على الجميع الانخراط الأخوي، الواعي والمسؤول، في إنجاز المهام التاريخية الملقاة على عاتقه في هذه الظرفية.” بيان اللجنة الإدارية 27 دجنبر 2014.
بقي أن نشير إلى أن الدينامية التنظيمية والسياسية التي عرفها الاتحاد الاشتراكي منذ نجاح المؤتمر الوطني التاسع، وما أسفرت عنه من حصيلة إيجابية في فترة وجيزة تستحق التنويه باعتبارها صادرة عن حزب يمثل وعيا طليعيا في التجربة السياسية المغربية ويحمل وعيا استباقيا للتاريخ، تاريخ الحزب وتاريخ المغرب، تستحق التنويه لأنها جاءت في ظل وضع سياسي يطبعه الجمود والتقليد وتدني الوعي وتراجع القيم والأخلاقيات وتلاشي المرجعيات والتيه السياسي والميوعة وفقدان الثقة وانعدام الوضوح، وضع سياسي يفتقر إلى النضج الفكري وإلى الحد الأدنى من التنظيم الذي ينير الطريق ويوضح الرؤية ويضفي على العمل السياسي قيمة ويرفع من إنتاجيته. وتستحق التنويه باعتبارها تتضمن وعيا تنظيميا جديدا ومؤشرات لرؤية سياسية جديدة وتستحق التنويه باعتبارها تتسم بالجرأة العالية آلية المحاسبة والقطع مع الريع الحزبي، والمنهجية الواضحة في رصد مكامن الخلل داخل الجسم الحزبي وفي رسم معالم الطريق للانفتاح على المواطنين. وتستحق التنويه باعتبارها خلاصة لتجربة واستشرافا لوعي، ومن ملامح هذا الوعي اعتماد مقاربة جديدة في بناء الحزب، الحزب المؤسسة، توسيع دائرة الانخراط النوعي، تجديد العلاقة مع المجتمع، إبداع أساليب جديدة للتواصل مع المواطنين وتوسيع المشاركة السياسية…

ليست هناك تعليقات:

أخبار رئيسية

شاشة الموقع