إقبال إلهامي جريدة الاخبار
فيما كان الفلسطينيون يحتفلون بانتصارهم، كان الإسرائيليون يتفقدون بيوتهم التي تعرضت لصواريخ القسام دون أن يستطيعوا المكوث فيها طويلا، فقد عادوا أدراجهم إلى بيوت أسرهم داخل إسرائيل. وعدا عن الفرق الشاسع في حصيلة الحرب بين الطرفين، هناك فرق شاسع أيضا في التعبير عن مشاعر ما بعد وقف الحرب. ومقابل نشوة سكان غزة، لم تجد الفرحة طريقا لقلوب الإسرائيليين المتوجسين الذين يتابعون ما تقوله حركة حماس أكثر مما يتابعون تصريحات رئيس وزرائهم بنيامين نتنياهو.
وهذا الفرق في النظرة لنتائج الحرب هو الذي أخرج الفلسطينيين للشوارع محتفين بهزيمة عدوهم الأول. وهم ليسوا مخطئين، فقد أنقذت مصر نتنياهو من خلال المفاوضات مع حركة حماس والوصول إلى اتفاق ينهي الحرب التي نزلت بشعبية رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى أدنى مستوى لها منذ وصوله للسلطة. لذلك انتصر الفلسطينيون على الإسرائيليين ليس بقتل أكبر عدد منهم، فالكفة راجحة بدون شك لفائدة إسرائيل في مجال الفتك بالنفس البشرية، ولكنهم انتصروا بعدما هزموا الخوف الذي لا تستطيع إسرائيل بكل عتادها الحربي المتفوق أن تنزعه من أفئدة مواطنيها.
ولعل هزيمة إسرائيل تكمن في قوة هذا الشعب الذي يستطيع الفرح وسط ركام الدمار. فالحرب الإسرائيلية على غزة دمرت نحو 160 ألف مسكن، وحتى الأبراج القليلة التي يفتخر بها سكان القطاع سوتها مع الأرض، فالأبراج الوحيدة المسموح بها في غزة هي لتوابيت الشهداء، وقد قتلت منهم إسرائيل 2145 فيما أصابت صواريخها بجروح متفاوتة 11 ألفا آخرين، هذا بالإضافة إلى المهجرين الجدد، فقد تسببت الحرب في نزوح نصف مليون فلسطيني انتشروا على المدارس والمستشفيات ومؤسسات الأمم المتحدة، ما تبقى منها لأن القصف طالها هي أيضا وهو ما لم تستطع معه هذه المنظمة التي يفترض أنها تمثل ضمير العالم شيئا غير الدموع التي ذرفها بحرقة ممثلها في غزة كريس جونيش الذي عاين عجزه ومن ورائه الأمم المتحدة في حماية مكاتب غوث اللاجئين بعد القصف الذي حول الأطفال المختبئين بها إلى أشلاء.
علق كريس جونيش قائلا» على العالم أن يطأطأ رأسه خزيا لهذه الإهانة الإنسانية». لكن كل تلك المحرقة لم تستطع هزم فلسطينيي غزة وهو الهدف المقصود من وراء كل الحروب التي شنت على القطاع، والتي تحقق عكس ما ترمي إليه إسرائيل وبعض العرب المتحالفين معها، أي إبعاد الناخبين عن حركة حماس. والمشكل أن إسرائيل ساهمت في تعاطف سكان الضفة الغربية مع حماس وهي بذلك تضيف للمقاومة مكاسب لم تحققها في وقت السلم.
وبغض النظر عن الحصيلة الثقيلة للشهداء الفلسطنيين، إلا أن سقوط 70 جنديا إسرائيليا في الحرب على غزة يعتبر إنجازا إذا ما قورن بحجم الصواريخ التي كانت تمطر القطاع من البر والجو، نهارا وليلا على مدى 51 يوما، هذا دون الحديث عن تلقي نحو 2522 إسرائيليا بينهم جنود العلاج لتجاوز صدمات الحرب وإعلان وقف الدراسة في خطوة نادرة تقدم عليها الدولة العبرية. ورغم أن المعارك توقفت إلا أن شبحها لا يزال يمنع النوم عن المدنيين الإسرائيليين. لذلك لم يستطع كثيرون العودة لبيوتهم رغم وقف إطلاق النار. وهذا الخوف في حد ذاته يعتبر مكسبا لحماس، لأن هؤلاء الإسرائيليين الخائفين كانوا مدنيين أو عسكريين سيترجمون هواجسهم في صناديق الاقتراع.
سكان غزة لا تخيفهم الحرب، لأنهم يعيشون فصولا متنوعة منها يوميا من خلال إغلاق المعابر وقطع الكهرباء ومنع وصول الخدمات والأموال والإعانات الإنسانية إليهم. وهم يقدرون على الأقل في زمن الحرب أن يفضحوا العالم الذي يبكي على قتل صحفي واحد، بينما يغض الطرف على مقتل أكثر من ألفي شخص. كما أن تسليط الإعلام الدولي الضوء على مجازر غزة والدمار الهائل الذي لحقها زحزح مواقف عرفت بتصلبها خصوصا في بريطانيا وفرنسا، حيث خرج مسؤولون ينددون بما حدث دونما خوف من أن توجه لهم تهم معاداة السامية.
هذه المواقف تجعل نتنياهو أكبر خاسر في معركة كسر العظام التي تهشمت فيها سياسته على صخرة الصمود الفلسطيني. لذلك حق لنساء غزة أن يزغردن، بل حق منحهن جوائز نوبل، فالمرأة الفلسطينية هي الوحيدة التي تلد بينما الصواريخ تمطر سقف بيتها. صحيح أن إسرائيل قتلت 2145 فلسطينيا، لكن أرحام هؤلاء النسوة منحت غزة 4500 مولود جديد. وهكذا وهبهم الله في عز الحرب مواليد جدد ضعف ما قتلت إسرائيل. لذلك لا خوف على غزة، فأرحام نسائها تشكل أكبر عتاد لن تستطيع إسرائيل صنعه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق