2014/09/28

السيسي يسجّل نقاطاً في «غزوة نيويورك»: تعزيز العلاقات مع الغرب.. وعزل «الإخوان»

السيسي خلال لقائه بأوباما في نيويورك أمس الأول  (عن "الإنترنت")
مصطفى بسيوني جريدة السفير

بمصطلحات تيار الإسلام السياسي التي استخدمت في مناسبات عدة، يمكن أن تطلق على زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لنيويورك وحضور قمة المناخ والجمعية العامة للأمم المتحدة، تسمية «غزوة نيويورك».
تلك الزيارة جرى الإعداد لها بإحكام، واصطحب فيها الرئيس المصري وفداً واسعا تجاوز الديبلوماسيين إلى الإعلاميين والشخصيات العامة كتعبير عن الدعم الشعبي الذي يحظى به.
اما المخاوف التي عبر عنها الإعلام المصري، والديبلوماسية المصرية أيضاً، من محاولات إحراج الرئيس خلال إلقاء كلمته بانسحابات الوفود، أو حشد المعارضين له أمام مقر الأمم المتحدة، فلم يتحقق منها شيء يذكر.
تغلبت الحشود المؤيدة على الحشود المعارضة، وتم تقديم مشهد التأييد إعلاميا بشكل عزل مشهد المعارضين.
وكانت الكلمة الوحيدة التي هاجمت النظام المصري من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي أصر على الإشارة إلى ما جرى في مصر بعد «ثورة 30 يونيو»، وتسميته بـ«الانقلاب»، وقد بدا وحيدا في هجومه هذا.
في المقابل، تمكن السيسي وفريقه من اختطاف المشهد من «الإخوان المسلمين»، ورسم الصورة التي تخدم الزيارة الرئاسية، وتظهرها كزيارة ناجحة.
ولكن الأهم من المشهد الذي رسم بعناية، هو ما وراء ذلك المشهد، فقد توجه السيسي إلى نيويورك وهو يدرك أن ثمة ما تغير في المشهد السياسي، سواء في الداخل المصري او على المستوى العالمي، فالولايات المتحدة التي عارضت بوضوح إطاحة الرئيس «الإخواني» محمد مرسي قبل أكثر من عام، وقطعت المساعدات العسكرية عن مصر، وادخلت العلاقات الثنائية في ثلاجة الجمود، تقوم اليوم بتشكيل تحالف للحرب على الإرهاب.
وتحتاج الولايات المتحدة في هذا التحالف إلى مشاركة ودعم وتأييد من دول المنطقة، بما يفرض عليها مرونة أكثر تجاه الأنظمة الحاكمة، وبخاصة تلك التي شاركت في مواجهات ضد الإرهاب، وأهمها مصر، التي تواجه خطر الجماعات التكفيرية، سواء في شبه جزيرة سيناء، أو على الحدود الغربية مع ليبيا، وايضاً في الداخل.
«غزوة نيويورك» حملت مقومات نجاح تتجاوز ذلك المشهد الإعلامي الذي اصطف فيه المؤيدون وتفوقوا على المعارضين، وهتف فيه السيسي من منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة «تحيا مصر»، وهو الهتاف الذي كان اصلا شعاره في الانتخابات الرئاسية التي أوصلته إلى الحكم.
ربما كانت المحاور الثلاثة التي دارت حولها زيارة السيسي هي العلاقات بواشنطن ومستقبلها، الدور المصري في التحالف ضد الإرهاب الذي تقوده الولايات المتحدة، وتغيّر الموقف الأميركي والغربي من جماعة «الإخوان» وإحكام الحصار عليها أو على الأقل التخلي عن رؤيتها لما حدث في مصر. ويبدو التقدم واضحا وإن بدرجات مختلفة على الصعد الثلاثة.
وفي حديث إلى «السفير»، يقول رئيس تحرير صحيفة «الشروق» عماد الدين حسين، وهو كان ضمن الوفد الإعلامي المرافق للسيسي في هذه الزيارة إنه «في ما يخص العلاقات المصرية الأميركية، ثمة مرحلة ما قبل زيارة نيويورك وأخرى ما بعدها، وهناك الكثير من المشاكل قد تم حلها بالفعل خلال تلك الزيارة، فالطرفان وضعا الخلافات جانباً واهتما بالوضع القائم بالفعل، وقضايا اللحظة، وعلى رأسها محاربة الإرهاب». ويضيف حسين «أصبح هناك إدراك واضح لدى الطرفين أن كلا منهما يحتاج إلى الآخر. أميركا تحتاج إلى دور مصر وجهودها في محاربة الإرهاب. ومصر تحتاج إلى الاعتراف الدولي بأن ما حدث في مصر في الثالث من تموز العام 2013 كان تعبيراً عن الإرادة الشعبية وليس انقلابا».
ويتابع «ما حدث بالفعل أن نظرية النظام في مصر لما حدث في الثالث من تموز قد ظهرت صحيحة، ويمكن القول أن النظام المصري من أكثر الرابحين من صعود داعش، الذي أظهر احتياجاً قوياً للدور المصري في مواجهة الإرهاب، تماماً كما كسب نظام بشار الأسد في سوريا من بروز هذا الخطر».
وعن مصير «الإخوان» وتأثيرهم بعد الزيارة، يقول حسين إن «الإخوان تم عزلهم بالفعل إلى حد كبير، بسبب الأداء الرسمي والشعبي خلال الزيارة، ولكن لا يمكن القول أنه قد تم القضاء عليهم بالكامل في الولايات المتحدة، فالإخوان في أميركا يتواجدون بأعداد كبيرة، وينشطون في مختلف الأوساط»، موضحاً «صحيح أنهم تلقوا ضربة شديدة، ولكن هذه ليست ضربة نهائية».
ويضيف أن «الرئيس السيسي التقى بالفعل أطيافا كثيرة في المجتمع الأميركي، وقدم رؤية مصر جيداً لرجال الأعمال والصحافيين والديبلوماسيين ووزراء الخارجية السابقين، وشخصيات أخرى، وهذا ما ساهم في تقديم رؤية مختلفة لما جرى ويجري في مصر».
ويشير عماد الدين حسين إلى أن الفترة المقبلة ستشهد أيضا تقارباً مصرياً - قطرياً بما يزيد من عزلة «الإخوان».
الظروف الموضوعية المتمثلة في صعود «داعش» واتجاه الولايات المتحدة لبناء تحالف لمواجهتها، تحتاج إلى وجود مصري ساهم بكل تأكيد في تحويل وجهة العلاقات المصرية - الأميركية.
ولكن ثمة جانباً آخر للمسألة، فما قامت به القاهرة في الفترة الأخيرة من تقوية لعلاقاتها بروسيا، والتلويح بالاعتماد عليها في السلاح والقمح، جعل الضغط الأميركي والغربي على القاهرة يبدو بلا جدوى وفرض درجة أعلى من المرونة في التعامل مع العلاقات مع مصر.
وفي هذا الإطار، يقول مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق والمندوب السابق لمصر في جامعة الدول العربية هاني خلاف لـ«السفير»: «من الواضح أن العلاقات المصرية - الأميركية قد دخلت مرحلة جديدة بعد زيارة السيسي الى نيويورك».
ويوضح «يمكن القول أن مرحلة الفتور أو الجمود في العلاقات قد انتهت، فمجرد اللقاء بين السيسي وباراك اوباما، والتطرق في الحديث ليس إلى الاوضاع في مصر فحسب، وانما إلى القضايا الاقليمية، مثل قضية فلسطين والوضع في ليبيا والعراق، يعني تحولاً مهماً، علاوة على ان وضع آلية بين وزارتي خارجية البلدين للتنسيق الأمني والسياسي، يعد تطوراً مهماً آخر».
ويتابع «أعتقد أنه ستظهر قريبا مؤشرات مهمة في ما يتعلق باتفاقيات التسليح».
وفي ما يتعلق بالحرب على الإرهاب، يشير خلاف إلى انه «لم يتبين بعد ما إذا كانت مصر ستعدل من موقفها السابق، والذي يتضمن دورا محدودا لمصر في التحالف الدولي، بما لا يتجاوز التعاون السياسي والدعوي والأمني».
ويرى ان «بعض التصريحات تشير إلى إمكانية تطوير الدور المصري في التحالف لتقدم الدعم اللوجستي والتدريب، وبعض الخدمات الأخرى. ولكن حتى الآن لا يوجد شيء ملموس يمكن الحديث عنه، وأغلب الظن أن الدور المصري في الحرب على الإرهاب سيشهد تطورا في المرحلة المقبلة».
ويضيف خلاف «لقد تمكنت مصر من أن تثبت أن التغيير الذي حدث في الثالث من يوليو (تموز) 2013 تم في إطار الشرعية الشعبية. وتم تثبيت صورة الحاكم الشرعي. ولكن إلى أي مدى تم دحض الرؤية التي يقدمها الإخوان؟ هذا ليس واضحاً جداً».
ويعتبر أن «تعديل المواقف الدولية من الإخوان قد يحتاج إلى بعض الوقت»، موضحاً «بالنسبة إلى الغرب، فإن الإخوان هم أحد مكونات السياسة في مصر منذ ثمانين عاماً، ويصعب اعتبارها جماعة إرهابية فجأة، ولكن قد يكون ذلك أسهل بالنسبة إلى جماعات أخرى مثل أجناد مصر وجماعة أنصار بيت المقدس، وغيرها من المجموعات النشطة في العمل الإرهابي، وعلى أي حال فالزيارة التي قام بها السيسي لنيويورك قد غيرت الكثير من المعطيات».
المعارك السياسية لا تنتهي عادة بالضربة القاضية، وانما بحساب النقاط، ولا شك أن زيارة السيسي لنيويورك كانت جولة سجل فيها النظام المصري الكثير من النقاط، سواء في ما يخص علاقاته بالولايات المتحدة والغرب، أو في صراعه مع «الإخوان»، وبالتأكيد، فإنها تمثل على المستوى الداخلي، مكسبا مهماً بدأ الإعلام المحلي في استثماره حتى قبل أن يتحقق

ليست هناك تعليقات:

أخبار رئيسية

شاشة الموقع