2014/09/30

مع الفساد.. الديمقراطية لعبٌ وتجارة!


 الرئيسية




 بنسالم حِمِّيش
   
 بدءا، هذا التذكير: في مصر المماليك، سعى ابن خلدون، وقد تقلد منصب القضاء المالكي، إلى التحلي بالاستقامة والتقوى في تطبيق أحكام الشريعة. لكن سرعان ما كثرت عليه الدسائس والسعايات، حتى إنه عزل من المنصب ست مرات، فلم يقو على مواجهة الفساد في بلد سرى فيه المثل «البراطيل تنصر الأباطيل»، فاستخلص القاضي المغربي منظرا: «إذا فسد الإنسان في قدرته على أخلاقه ودينه، فقد فسدت إنسانيته وصار مسخا على الحقيقة».
وفي المغرب، هذه رسالة باسم السلطان الحسن الأول، يقر فيها بأن خطة القضاء والإفتاء «صارت ملعبة ومتجرا، وأن الرّشى فيها تـُقبض سرّا وعلانية، حتى ظهرت على القضاة أمارات الغنى والرفاهية». كما أن في الرسالة إشارة مهمة إلى ظاهرة شراء المناصب بالرّشى، وهي ما سمي في المؤسسة العسكرية الفرنسية إبان النظام القديم (المونارشي - الإقطاعي - الكنيسي) La vénalité des grades، وكانت من أسباب سقوط المونارشية في ثورة 1789... ثم إن السلطان ذكّر بالحديث الشريف: «لعن الله الراشي والمرتشي والرائش» أي الساعي بينهما، وحذّر من ذلك الوبال، وتوعّد بالزجر والقصاص.
إن الفساد في تاريخ المغرب المستقل ظل عقودا مديدة عقبة كأداء أمام السلط التنفيذية، وهو في عهدنا مازال كذلك، بل أضحى مرضا خبيثا يضرّ بنسيجنا الاقتصادي والاجتماعي وبمؤشري نسبة النمو والتنمية البشرية، وذلك بالرغم من مقتضيات زجرية أو وقائية ضد ضروب منه، كالتلاعب بالصفقات العمومية وشراء الذمم والزبونية والمحسوبية وتدني الأخلاق العامة والبغاء... وكلها تمظهرات سلبية عرفت ذروتها في ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته قبيل حكومة التناوب، وهي سنوات إدريس البصري سيئ الذكر. ومن مفارقاتها الممضة أن مهندس الفساد هذا، إداريا وانتخابيا، هو من أشرف على حملة التطهير ضد الفساد (1995 - 1996)، ونتذكر ماذا كانت خلفياتها وتجاوزاتها ونتائجها الهزيلة...

إن كل حكومة جديدة تجد نفسها أمام مهمة لا محيد عنها، هي الزيادة في تقوية الترسانة القانونية والعدلية لتسريع تنفيذ الأحكام القضائية وتفعيل المساطر المتعلقة بالحد من تفشي تلك الظاهرة في اتجاه إضعافها فتحييدها. إنها إجراءات ضرورية لتثبيت وصيانة العدل الذي هو أساس الحكم الديمقراطي ومعيار التقدم الاجتماعي والاقتصادي. هذا علما بأن التحدي الأكبر الذي يجب رفعه هو مغالبة الفساد طيَّ تخفيه ولامرئيته، أي حين تصير الرشاوى من الحجم الكبير، وناتجة عن توافقات وتواطؤات بين فرقاء متنفذين، مازالوا وطيدي الصلات باقتصاد الريع والإقطاع، وهم أناس ريعيون نهّازون، اتجاريون صلافى، عشراء المناصب المعبرية ومحترفو شرائها بشراء الذمم والأصوات، وبالتالي إفساد العملية الانتخابية نفسها. شعارهم الحميمي: نحن أولا وبعدنا الطوفان؛ معهم تضعف الديمقراطية كنظام حكم الشعب لنفسه بنفسه عبر منتخبيه ومؤسسات تمثيله وخدمة مصالحه وشؤون حياته؛ ومعهم تتآكل الديمقراطية في تركيبتها الشفعية، أي السياسية-الاقتصادية، التي يؤكد على تلازميتها أو طباقيتها الدينامية كبار الاقتصاديين ذوي النزعة الإنسانية من كينز وغولبرايت إلى سين وستيغلز وبيكيتي، وغيرهم. وعليه، فإن كل حكم سياسي يقف عاجزا أمام ظواهر الفساد وفاعليها هو والديمقراطية على طرفي نقيض، إذ تضحى هاته في متمّ المطاف عبارة عن لعب وتجارة...

ليست هناك تعليقات:

أخبار رئيسية

شاشة الموقع