هبريس عن القدس العربي
استخدم النظام الإيراني العلاقات بين الجنسين وفرض الحجاب دائما كذريعة وأداة مناسبة وفعّالة لحرف ذهن المواطن الإيراني عن القضايا الرئيسية والحساسة والأزمات التي تعصف بالبلد. بحيث تتصاعد وتيرة المضايقات الحكومية على العلاقات بين الجنسين بالتزامن مع تنفيذ القرارات الحاسمة والحرجة مثل الغاء الدعم الاقتصادي الحكومي للسلع الأساسية أو ارتفاع نسبة الاحتجاجات السياسية والاجتماعية، ويصبح فرض الحجاب الواجب الرئيسي على جميع المسؤولين في إيران. وفي الأشهر الأخيرة، عاد هذا الموضوع المُمِل والمتكرر ليتصدر جدول الأولويات الحكومة الإيرانية من جديد مع تفاقم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي دفعت بالمجتمع الإيراني إلى أن يكون على وشك الانفجار.
وفي هذه اللعبة المتكررة، يلعب المحافظون والمتشددون دور الصيانة للأخلاق والإسلام، ويظهر الاصلاحيون وأنصار حكومة روحاني التي تسمى في الإعلام الرسمي الإيراني بـ «حكومة التدبير والأمل» كدعاة حقوق المرأة والحريات الاجتماعية. كلا هذين الطرفين يحرفان الشرائح المختلفة للمجتمع ووسائل الإعلام من التركيز على القضايا الحساسة ومطالبات الشعب من النظام الإيراني.
ووافق العديد من مندوبي المجلس والشخصيات المتشددة مثل أحمد خاتمي، خطيب جمعة طهران، القرار المثير للجدل لرئيس بلدية طهران التي ينص على الفصل بين الموظفين والموظفات في الدوائر والشعب المختلفة التابعة لهذه البلدية. وأعلن علي أكبر بختياري، مدير مكتب رئيس المحكمة الإدارية الإيرانية، عن تطبيق قرار الفصل بين الجنسين لموظفين في دوائر هذه المحكمة وقال «هناك فارق كبير بين توفير محيط عمل يناسب المرأة والتمييز الجنسي أو الفصل بين الجنسين». وقبل بضعت أسابيع، أعلنت وكالة أنباء تسنيم من خلال نشر صور من مكتب تحريرها، أنها وفّرت مكتبا منفصلا للمراسلات والكاتبات تهدف من خلالها إلى احترام شخصية المرأة.
ومن جهة ثانية، أفادت الوسائل الإعلام الإيرانية أن محمد تقي حسيني، نائب الوزير العمل الإيراني في الشؤون الدولية كتب، رسالة لرئيس بلدية طهران وطالبه فيها بإلغاء قراره الأخير المتعلق بفصل مكان عمل الموظفين الذكور والإناث. وصرح نائب الوزير الإيراني في هذه الرسالة أن قرار بلدية طهران يتعارض مع الاتفاقيات الدولية بما فيها اتفاقية مناهضة التمييز في التوظيف والعمل. ولكن بعد انتشار هذه الرسالة في وسائل الاعلام، أعلنت وزارة العمل الإيرانية عن عدم ارتباط هذه الرسالة بموضوع الفصل بين الجنسين، ونفت صحة بعض العناوين المستخدمة من قبل الوسائل الإعلام عن هذه الرسالة.
بعد انتشار رسالة وزارة العمل الإيرانية التي تطالب بلدية طهران لإلغاء قرارها الأخير، في ردة فعل عنيفة، ألقت بلدية طهران اللوم على نائب وزير العمل في الشؤون الدولية في رسالة متبادلة، ووصفته بالمتأثر والمتخوف من الحرب الإعلامية للدول المعادية التي تكرر ما تريده وسائل الإعلام في هذه الدول. وبينما أعرب وزير العدل الإيراني عن دعمه لسياسات وإجراءات بلدية طهران بهذا الشأن وقال، «يتسق الفصل بين الموظفين الإناث والذكور مع القيم وهذه الخطوة تزيد من مستوى الإنتاجية»، أثار هذا الموضوع موجة واسعة من الانتقادات من قبل الناشطين في مجال حقوق المرأة في وسائل الإعلام الإيرانية واعتبروا مثل هذه الخطوات من ظواهر التمييز بين الجنسين وانتهاكاٌ صارخاٌ لحقوق المرأة. وفي الدفاع عن هذا القرار، دخل رئيس بلدية طهران، محمد باقر قاليباف، في النقاش الإعلامي بشكل مباشر، وصرح في مراسم صلاة جمعة طهران، «ينبغي ألا نسمح للمرأة أن تعاشر الرجال في محيط العمل لفترة زمنية أطول من معاشرتها مع زوجها وأطفالها، حفاظاٌ على سلامة كيان الأسرة». وأكد أن الحجاب والعفة هما من أولويات بلدية طهران في محيط العمل.
وفي خطوة أخرى، اعتبر أكثر من 183 مندوبا في البرلمان الإيراني الفصل بين الموظفين الإناث والذكور عملاً ثقافياً. ووصف روح الله حسينيان، أحد مندوبين طهران في المجلس الإيراني، هذا القرار بالعمل الثوري وانتقد الهجمة الإعلامية ضد محمد باقر قاليباف، وقال، «لم يتحمل البعض تطبيق القيم ولم يدعموا الإجراءات الهادفة لاحترام المرأة وحفظ كرامتها».
وأعرب أحمد خاتمي، خطيب جمعة طهران، عن دعمه لخطط وتدابير التي تزيد من كرامة المرأة والسلامة محيط العمل، وقال إن قرار بلدية طهران ينص على تطبيق العلاقات الصحيحة بين المرأة والرجل في محيط العمل ويتطابق مع أوامر الله والقانون. وأشار أحمد خاتمي إلى الهجمة الإعلامي الواسعة ضد بلدية طهران وقال، «يجب أن ندعم هذا القرار وأقول لمسؤولي البلدية طهران ألا يتأثروا من الضوضاء والدعاية الفارغة الإعلامية». ودعا خطيب جمعة طهران مسؤولي الحكومة أن يتخذوا نموذجاٌ من خطة بلدية طهران.
ولم يختصر الدعم لقرار بلدية طهران على الشخصيات المذهبية ومندوبي المجلس. وأعربت قوات الباسيج النسائي عن دعمها لقرار بلدية طهران للفصل بين الرجال والنساء، وأكدت أنه تتطابق خطة الفصل بين الجنسين في محيط العمل مع مطالبات النظام، ومن المؤكد أنه ستظهر التأثيرات الإيجابية لهذا القرار في المستقبل مثلما حصل في مشروع الفصل بين الرجال والنساء في وسائل النقل العام سابقاٌ.
التمييز بين الجنسين في بلدية طهران ليس موضوعاٌ جديداٌ، وتنتقد موظفات بلدية طهران الرؤية التمييزية لسنوات عديدة وتمكن القليل من النساء الحصول على المقاعد المديرية، ولم يتم تعيين أي امرأة كنائبة لرئيس البلدية حتى الآن. وبينما في فترة الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2013 كان محمد باقر قاليباف في حملته الانتخابية قد قال، «المجتمع الذي يريد النجاح، ينبغي أن يتهم بكل قدرته البشرية ويستعين بالنساء في جميع جوانب الحياة الاجتماعية، ويحق للنساء الحضور في جميع المجالات الاجتماعية والاقتصادية».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق