
ترجمة : ياسين لشكر
لأزيد من ثلاثة عقود وجميع الشخصيات الهامة في
السياسة الأميركية متوافقة أن زيادة الضرائب على الأغنياء من جهة وزيادة
المساعدات للفقراء من جهة أخرى مضرب النمو الاقتصادي.
في حين اعتبر التقدميون عموما أنه من أجل مساعدة
المواطنين المحتاجين لا بأس بأن نقبل بالتضحية المتمثلة في انخفاض الناتج
المحلي الإجمالي ، فيما أصر المحافظين من الناحية الأخرى على أن أفضل
سياسة هي خفض الضرائب على الأغنياء وخفض المساعدات للفقراء.
اليوم، يبدوا أن هناك مجال لرؤية جديدة، حيث يتضح أن النظرية
التي بني عليها هذا النقاش كانت خاطئة لأن الإنصاف لا يأتي على الإطلاق على
حساب الفعالية ، كيف ذلك؟
صحيح أن اقتصاديات السوق في حاجة إلى كمية معينة
من التفاوتات لكي تشتغل ، لكن هذه التفاوتات الأمريكية وصلت إلى مستوى من
الشدة أدى إلى إلحاق الكثير من الضرر بالاقتصاد ، وبالتالي فهذا يعني أن
إعادة توزيع الثروة من خلال فرض ضرائب على الأغنياء ومساعدة الفقراء ، عكس
ما كان متداولا ، قد يرفع بشكل كبير من معدل النمو الاقتصادي.
هناك من سيميل لرفض هذه الفكرة معتبرين اياها
محاولة “لنيل المطالب بالتمني” ، ولكن الحقيقة أن هنالك أدلة صلبة أنتجتها
مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي، تثبت أن اللامساواة تمثل عبأ على النمو و
أن الاقتصاد قد يستفيد من إعادة توزيع الثروة بطريقة عادلة ، لكن الاشكال
هو
كيف يكون ذلك ممكنا ؟
ألا يقلص فرض ضرائب على الأغنياء ومساعدة الفقراء من الحافز لكسب المال ؟
الجواب قطعا “نعم” إلا أن الحوافز ليست كل شيء
بالنسبة للنمو الاقتصادي ، الفرصة هي أيضا حاسمة ، وعدم المساواة المفرطة
تحرم كثيرا من الناس من فرصة إظهار إمكاناتهم.
لنفكر في الأمر بمنحى أخر هل الأطفال الموهوبين
في الأسر الأمريكية ذات الدخل المنخفض لديهم نفس الفرصة للاستفادة من
مواهبهم من خلال الحصول على التعليم المناسب ثم متابعة المسار الوظيفي
الصحيح ، كما أولئك الذين ولدوا في مستوى أعلى من السلم الاجتماعي؟
بالطبع لا فبالإضافة إلى كون هذه الظاهرة غير
عادلة ، فإن ثمنها باهظ ذلك لأن اللامساواة هو مضيعة للموارد و الطاقات
البشرية والبرامج الحكومية التي تقلل من الفوارق يمكن أن تغني الأمة
ككل،عن طريق الحد من هذا التبذير للموارد البشرية.
ولإثبات مدى صحة هذا الطرح فلننظر على سبيل
المثال، إلى برنامج المساعدة الغذائية المُستهدف دائما من قبل المحافظين
الذين يزعمون أنه يقلل من الحافز للعمل ، والأدلة التاريخية تشير فعلا أن
الاستفادة من هذا الدعم تقلل إلى حد ما من الجهد المبذول من طرف رب الأسرة
للحصول على عمل، وخاصة حينما يتعلق الأمر بالأمهات العازبات ، ولكنها تشير
أيضا إلى أن الأسر الأمريكية التي استفادت من هذا الدعم كان أطفالها في صحة
أفضل وأكثر إنتاجية من أولئك الذين لم يستفيدوا منه ، الأمر الذي دفع إلى
تقديم مساهمة اقتصادية أكبر في ما بعد لأن الغرض الأساسي من برنامج الدعم
الغذائية هو الحد من البؤس ، وكذالك لأنه من دون شك سيساهم إيجابيا في
النمو الاقتصادي الأمريكي.
ونفس النتيجة السالفة الذكر ستتحقق بالنسبة
لبرنامج التغطية الصحية “أوباما كير” التأمين المدعوم هو أيضا من شأنه أن
يقلل من عدد ساعات عمل بعض الناس، ولكنه سيعني أيضا زيادة إنتاجية
الأميركيين الذين تمكنوا أخيرا من الحصول على الرعاية الصحية التي يحتاجون
إليها ، ناهيك عن كونهم سيستطيعون الاستفادة من مهاراتهم بشكل أفضل نظرا
لتمكنهم من تغيير وظائفهم دون الخوف من فقدان التغطية الصحية ، وبهذا يكون
إصلاح التغطية الصحية الذي سيجعلنا أكثر إطمئنانا وأكثر ثراءا.
فهل ستغير هذه النظرة الجديدة منحى النقاش السياسي بالولايات المتحدة ؟
أتمنى ذلك الرفق بالأثرياء والمعاملة القاسية للفقراء ليست كما
تبين مفتاح النمو الاقتصادي بل العكس جعل الاقتصاد أكثر عدلا من شأنه أن
يجعل البلاد أكثر ثراء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق