2014/08/22

الخميس المقبل سيتوج أردوغان سلطانا على تركيا لكن ماهي التحديات التي تنتظره ؟

ardogan-and-oglo.jpg555

 هبريس عن رأي اليوم

سيتوج رجب طيب اردوغان سلطانا جديدا على تركيا يوم الخميس القادم في حفل مهيب بعد فوزه الكاسح في اقتراع رئاسي مباشر من الشعب ولاول مرة منذ تأسيس تركيا الحديثة على يدي اتاتورك عام 1926.

هذا الفوز جاء بعد حملات شرسة شنها ضده خصومه طوال العام الماضي تضمنت اتهامات بالفساد طالت بعض وزرائه ومسيرات احتجاجية في الميادين الرئيسية للعاصمتين السياسية (انقرة) والتاريخية الاقتصادية (اسطنبول) شارك فيها مئات الالآف، ولكن هذه الحملات والاحتجاجات لم تؤثر مطلقا في قاعدته الشعبية الصلبة وانعكس هذا التأييد الساحق في فوز حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه بمعظم المجالس في الانتخابات البلدية، وباكثر من 50 بالمئة من الاصوات، وعزز اردوغان هذا الفوز في انتخابات الرئاسة عندمل حصل على 52 بالمئة من الاصوات مقابل 38 بالمئة لمنافسه مرشح المعارضة الدكتور اكمل الدين احسان اوغلو امين عام منظمة التعاون الاسلامي السابق.

اردوغان سيتربع على عرش الرئاسة التركية لخمس سنوات قادمة، ولكنه لن يظل رئيسا بلا صلاحيات مثل سلفه عبد الله غول الذي ظل في الظل طوال السنوات العشر الماضية، ويقتصر دوره على ادوار تشريفية محضة، ولكن من يستطيع ان يلمع نجمه في مواجهة شخصية تتمتع بالكاريزما والدهاء مثل رحب طيب اردوغان؟

تعيين الرئيس اردوغان لحليفه الاوثق احمد داوود اوغلو رئيسا للوزراء ينبيىء بأنه يخطط ليس فقط لتجديد مفاصل الدولة وحزب العدالة والتنمية الحاكم وانما ايضا لوضع بصماته وتصوراته للسلطنة التركية الجديدة التي يريد تعزيز اركانها.

احمد داوود اوغلو يوصف في الاوساط السياسية التركية بـ”الثعلب” والمنظر الفكري لنظيرية اردوغان في الحكم من حيث اعادة احياء الخلافة العثمانية، ولكن بصورة حديثة ترتكز على النمو الاقتصادي ونسج شبكة من التحالفات الاقليمية في دول الجوار الاسلامي.

ولا نجادل مطلقا في الولاء المطلق من قبل السيد داوود اوغلو لمعلمه ورئيسه الرئيس اردوغان، ولكن ما يمكن ان نجادل فيه ان ابرز نظرياته التي وضعته في الصف الاول من المفكرين السياسيين في العصر الحديث، اي سياسة “صفر مشاكل” مع الجيران، منيت في الاعوام الاربعة الماضية، وبالتحديد منذ انطلاقة ثورات “الربيع العربي” بانتكاسة كبيرة خاصة تجاه دولتين رئيسيتين في الجوار التركي هما العراق وسورية، وبدرجة اقل ايران.

واذا ذهبنا الى ما هو ابعد من ذلك يمكن ان نقول بأن رهان الثنائي اردوغان واوغلو على نجاح التيار الاسلامي “المعتدل” المتمثل في حركة “الاخوان المسلمين” في تولي السلطة في هاتين الدولتين الى جانب دول اخرى مثل مصر وتونس وليبيا وبدرجة اقل المملكة العربية السعودية، لم يكن ناجحا حتى الآن على الاقل، واعطى نتائج عكسية بالنسبة الى تركيا ونموذجها الاقتصادي والسياسي الذي كان وربما ما زال، محور اعجاب وتقدير عشرات ان لم يكن مئات الملايين في العالمين العربي والاسلامية.

سياسة “صفر المشاكل” مع الجيران التي ابتدعتها عبقرية الثنائي اردوغان واوغلو واخرجت تركيا من الازمات الاقتصادية الطاحنة وديكتاتورية العسكر الخفية، والفساد السياسي والاجتماعي، ووضعتها في المرتبة السابعة عشرة على سلم الدول الاقوى اقتصاديا على مستوى العالم، تواجه بعض الصعوبات حاليا وتحتاج الى وقفه جادة ومراجعة علمية حقيقية للتعرف على مواطن الخلل والانطلاق منها نحو خطوات اصلاحية شاملة.

النجاح يخلق دائما اعداء، واعداء الرئيس اردوغان يتناسلون هذه الايام بكثرة، ويتوحدون لافشال تجربته الفريدة من نوعها في العالم الاسلامي، وهي التجربة التي زاوجت بين الاسلام والديمقراطية وسيادة القانون والنمو الاقتصادي، فالى جانب المعارضة المتمثلة في حزب الشعب الجمهوري والاحزاب القومية اليمينية الاخرى، هناك حكومات اقليمية مثل السعودية ومصر وايران تنظر بقلق الى هذا النموذج التركي، وينضم الى هذا المعسكر حكومات اوروبية بدأت تشعر بدورها بقلق اكبر من صعود القوة التركية “العثمانية” مجددا، وهذه الحكومات لا تنسى مطلقا ان قوات الامبراطورية العثمانية وصلت الى فيينا.

لا نعرف كيف سيواجه الرئيس اردوغان هذه الجبهة العريضة المعارضة له داخليا وخارجيا، خاصة انه لدغ من جحرها في الاشهر العشرة الماضي مؤامرات وتسريبات لمحادثات هاتفية وحملات وسائل التواصل الاجتماعي اتهم حليفه السابق الداعية فتح الله غولن وانصاره بالوقوف خلفها، ولكن ما نعرفه جيدا انه رجل براغماتي لا يتورع عن تغيير سياساته وفق مصالح بلاده.

يجب ان يدرك الرئيس اردوغان ورئيس وزرائه الجديد احمد داوود اوغلو ان المعادلات السياسية والعسكرية في المنطقة تتغير بسرعة بعد صعود قوة الدولة الاسلامية وسقوط حكومة نوري المالكي في العراق، والتحالف الجديد بين الاضضاد والاعداء السابقين الذي يضم ايران والسعودية وامريكا وبريطانيا وفرنسا لتكوين جبهة مشتركة لمواجهة تنظيم الدولة الاسلامية، وهو تحالف يستثني تركيا او على الاقل لم يسع لضمها رسميا.

والاخطر من كل هذا وذاك ان اصواتا تتعالى في الغرب حاليا تطالب بضم النظام السوري الى هذا التحالف لمواجهة “ارهاب” الدولة الاسلامية، ولا نستبعد ان نرى قريبا الرئيس اردوغان او رئيس وزرائه اوغلو يجلس جنبا الى جنب مع المسؤولين السوريين.

قطعا سيغير الرئيس اردوغان الدستور في غضون العامين القادميين للحصول على صلاحيات اوسع، ولكنه يحتاج ايضا الى تغيير الكثير من السياسات التي اتبعها طوال الاعوام العشرة الماضية داخليا وخارجيا اذا اراد التعاطي بنجاح مع المتغيرات السياسية والعسكرية في منطقة الجوار التركي العربية والشرق اوسطية على وجه الخصوص.

ليست هناك تعليقات:

أخبار رئيسية

شاشة الموقع