2014/07/28

في الحياة البرلمانية

في الحياة البرلمانية
صلاح مفيد

يعتبر البرلمان أهم واجهة من واجهات الديمقراطية الحديثة.. كانت له بعض السوابق في العصور القديمة في التجربة اليونانية والرومانية، وله أشكال محلية مثل نظام "الجماعة" التي كانت تعمل به القبائل الأمازيغية في المغرب، لكنه يبقى مع ذلك، منتجا حضاريا مرتبطا أساسا بالتجربة السياسية للمجتمعات الغربية الحديثة، بعد أن تمت مأسسته بشكل نهائي، إثر الطفرة الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها دول أوربا الغربية.
في التجربة السياسية الإسلامية، لا نجد له مثيلا، وإن كانت السلطات الحاكمة، تبادر إلى استشارة ما يسمى أهل "الحل والعقد" من علماء وشيوخ وأعيان. ورغم أنه، لا يمكن التأصيل له انطلاقا من مصادر التشريع الإسلامي، إلا أن الأدبيات السياسية التي أنتجها رواد النهضة العربية، ومن بعدهم الأدبيات الإسلامية الرصينة، لا تعترض على تشكيل البرلمانات، باعتبارها آلية سليمة يمكن أن تجسد مبدأ الشورى، الذي يعد من المبادئ التي تقوم عليها "الدولة الإسلامية".
في المغرب، ارتبط تشكيل البرلمان بالدولة الوطنية المستقلة التي كان من بين الأدوار المنوطة بها التأسيس لهياكل دولة حديثة، كما هي متعارف عليها في الأدبيات السياسية الغربية.
ولقد راهن المغرب على البرلمان، بعد أن استبعد نظام حكم الحزب الواحد، من أجل السهر على رعاية التنوع الثقافي والاجتماعي والسياسي، لمواطنين يمتلكون نفس الحقوق ومختلفون في الطموحات والمرامي والأهداف، وليكون فضاء يسمح لهذه الرؤى من التصارع في ظل حرية التعبير عن المشاريع، وإعطائها الفرصة للتداول السلمي على السلطة.
وبغض النظر عن الأسئلة الكثيرة التي يمكن صياغتها عن هذه المؤسسة من حيث المشروعية والقيمة.. إلا أنه مع ذلك لا يمكن أن ننكر التراكم الإيجابي الذي أنتجته بعد كل هذه السنوات.
إلا أن المتتبع لما يجري تحت قبة البرلمان بمجلسيه، يمكن أن يقف عند بعض الملاحظات التي تسيء إلى هذه المؤسسة، وأهمها، أن السادة النواب، وبدل أن يتنافسوا في ما يخص المهام الملقاة على عاتقهم والتي من أجلها انتخبهم المواطنون، والتي من جملتها المراقبة والتتبع والمحاسبة، انبروا إلى تحويل البرلمان إلى ساحة "للتبوريد" و"التحياح" والقصف المتبادل، مستفيدين في ذلك، من الحصانة التي يتمتعون بها، للتفوه بكلام يدخل في إطار القذف والسب والتجريح، وتجر صاحبها للمساءلة القضائية، إذا ما تم التلفظ بها خارج قبة البرلمان.
والطامة الكبرى، أن كل هذا، يحدث أمام أنظار المواطنين الذين يمكنهم تتبع جلسات البرلمان عن طريق الشاشة الصغيرة.
إن هذه السلوكات، إذا كانت غير مقبولة من الناحية الأخلاقية فإنها من الناحية السياسية، تأثر سلبا على نظرة المواطنين للحياة البرلمانية خاصة، والحياة السياسية عامة، وتدفعهم إلى العزوف عن الانخراط فيها، والأخطر أنها تدفع الشباب إلى عدم الاهتمام بالشأن العام المحلي، ومقاطعة الكثير منهم للانتخابات، بل ولا يكلفون أنفسهم حتى عناء التسجيل في اللوائح الانتخابية حين يصلون للسن القانونية لذلك.
الحياة السياسية في أي بلد حول العالم لا تستقيم دون برلمان، وتطور الدول من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. يقاس بمدى تطور ونجاعة البرلمانات التي يمكن اعتبارها، "العقل المدبر" للدولة من حيث قوتها الاقتراحية، وصمام أمان لها بقدرتها على مراقبة ومحاسبة الحكومة والمؤسسات العامة، والأهم خلق نوع من الإجماع المجتمعي، الأساسي لكل إقلاع اقتصادي أو تنمية بشرية مستدامة.

ليست هناك تعليقات:

أخبار رئيسية

شاشة الموقع